ما رأيكم في عبارة أن معجزات المسيح تمت بالإيحاء؟
الرد:
الإيحاء هو تأثير علي النفس والفكر لتقتنع بشئ ما. ولكن:
1-هل يمكن أن توجد علاقة بين الإيحاء وإقامة الموتى؟!
ممكن لشخص أن يوحي إلي إنسان حي، ويؤثر علي نفسيته وفكره. أما بالنسبة إلي الميت، فالتأثير معدوم.و قد أقام السيد المسيح بعض الموتى مثل إبنة يايرس (مر 5: 41، 42)،و ابن أرملة نايين (لو 7: 11-17). ولعازر (يو 11: 17 – 44). وكلها طبعاً بعيدة عن الإيحاء. غبن الأرملة أقامة المسيح، وهو محمول في نعش في الطريق. ولعازر أقامة بعد أربعة أيام،و هو في القبر، وسط المعزين. فهل الإيحاء شمل المعزين والمشيعين جميعهم؟ أم دخل إلي الميت في قبره أو في نعشه؟!
2- نقطة أخري وهي أن الإيحاء لا علاقة له بالمجانين والمصروعين.
كيف توحي غلي عقل إنسان مجنون لا يتحكم في تفكيره ومشاعره؟! أو مصرع تتحكم فيه الشياطين؟ وقد شفي المسيح مجانين كثيرين: مثل المجنون الأعمي الخرس الذي صار سليماً من كل أمراضه (مت 12: 22). ومثل مجنون كورة الجرجسيين الذي كان هائجاً جداً لدرجة أنهم كانوا يربطونه بسلاسل، وكان تصرعه فرقة من الشياطين [ لجيئون ] (لو 8: 29، 32). هل يمكن الإيحاء لإنسان مثل هذا.
3- كذلك الإيحاء لا علاقة له بإخراج الروح النجس.
فالروح النجس لا توحي إليه.. وأمامنا مثل عجيب للروح النجس. الذي كان في رجل وكان يصيح فانتهره السيد المسيح قائلاً " اخرس واخرج منه ". فخرج. وتحير الناس " لأنه بسلطان يأمر حتى الأرواح النجسة فتطيعه " (مر 1: 25 – 27). أي إيحاء هنا؟! وكانت تلك المعجزة في مجمع كفر ناحوم،و أمام كل الناس في المجمع. وقد شعروا بالقوة والسلطان.و نفس الوضع بالنسبة إلي شفاء المجنون الأخرس، الذي أخرج منه الشيطان وتكلم فتعجب الجموع قائلين " لم يظهر قط مثل هذا في إسرائيل " (مت 9: 32، 33). وفي معجزة شفاء أخري، انتهر السيد المسيح الروح النجس قائلاً: " أيها الروح النجس الأصم، أنا آمرك أخرج منه ولا تدخله أيضاً " (مر 9: 25، 27). فشفي الرجل من تلك الساعة (17: 18).
4- الإيحاء ايضاً لا علاقة له بالطبيعة كالبحر والرياح والشجر.
فإن كان ممكناً الإيحاء إلي كائنات عاقلة، فلا يمكن مطلقاً أن يوحي أحد إلي كائنات لا حياة لها ولا تعقل. شجرة التين التي تمثل الرياء، التي لعنها السيد المسيح وقال " لا يأكل أحد منك ثمراً إلي الأبد " (مر 11: 14). فيبست في الحال (مت 21: 19). هل يبست بالإيحاء؟ والبحر الذي أهاجت الريح أمواجه فغطت السفينة (مت 8: 24)، يقول الكتاب إن المسيح " قام وانتهر الريح. وقال للبحر أسكت وابكم. فسكتت الريح وصار هدوء عظيم (مر 4: 39). هل هنا إيحاء؟ أم هذا سلطان علي الطبيعة. فليأت أعظم علماء النفس في العالم لكي يسكتوا بحراً هائجاً بالإيحاء!
و يمكننا أن نضم إلي معجزات الطبيعة، معجزات صيد السمك.
المعجزة الأولي مع بطرس الرسول قبل دعوته. وقد سهر الليل كله ولم يصطد شيئاً ولكن بكلمة المسيح ظل الصيد يتزايد حتى امتلأت السفينتان سمكاً وكادتا تغرقان من كثرة الكمية (لو 5: 1 – 7). والمعجزة الثانية بعد القيامة (يو 21: 10 – 14). وطبعاً لم يحدث بالإيحاء إلي السمك أن حضر دفعة واحدة بعد كلمة المسيح!!
5- الإيحاء أيضاً لا يمكن أن ينطبق في شفاء الغائب.
لقد شفي المسيح إبنة المرأة الكنعانية بطلب أمها، وهذه الإبنة في البيت لم تتعرض لإيحاء من أحد. قال رب المجد للمرأة الكنعانية أذهبي قد خرج الشيطان من إبنتك. فذهبت إلي بيتها ووجدت الشيطان قد خرج من إبنتها (مر 7: 29). وبنفس الوضع قال السيد لخادم الملك " إذهب إبنك حي " (يو 4: 50). فتعافي من ذلك الساعة. وكان في بيته، ولم ير المسيح ولم يتعرض لإيحاء... وبالمثل شفاء غلام قائد المائة. ذهب إلي بيته بعد كلمة السيد المسيح، فوجد غلامه قد برئ في تلك الساعة (مت 8: 13).
6- كذلك عمليات الخلق، لا يمكن أن تتم بالإيحاء.
فإشباع أربعة آلاف غير النساء والأطفال، من سبع خبزات وقليل من السمك (مت 15: 32 – 38) لا يمكن أن يكون بالإيحاء، علماً بأنه فاضت من الكسر سبعة سلال مملوءة.. هنا مادة جديدة قد خلقت لم تكن موجودة.كذلك معجزة إشباع خمسة آلاف رجل غير النساء والأطفال من خمس خبزات وسمكتين. من المحال أن يتم هذا بالإيحاء! وحتي لو شعروا كلهم أنهم قد شبعوا بالإيحاء، كيف يفضل عنهم من الخمس خبزات إثنتا عشرة قفة مملوءة (مت 14: 20). من أين جاءت هذه الكمية إلا بمعجزة خلق، وليس بإيحاء...
و نفس الوضع في معجزة إبصار المولود أعمي.
خلق له المسيح عينين. وهذا لا يمكن أن يتم بالإيحاء. وبخاصة أن الطريقة التي استخدمها معه المسيح لا توحي بهذا بل بعكسه! وضع في عينيه طيناً، الأمر الذي يمكن أن يعمي البصير! ثم أمره أن يغتسل في بركة سلوام (يو 9: 6، 7). وما أسهل أن هذا الإغتسال يزيل الطين، ل أن يثبت في حدقته عيناً بأنسجة وأعصاب!! وما كان ممكناً أن الطين في عيني الرجل يوحي له بالإبصار..!
و بنفس المنطق معجزة تحويل الماء خمراً.
لقد خلق مادة لم تكن موجودة، لأن الماء ليست فيه مركبات الخمر. وفعل ذلك بدون أية عملية. قال لهم املأوا الأجران.. ثم قال لهم استقوا. وتمت معجزة الخلق بمجرد مشيئته. ولا يوجد هنا إيحاء، لن المدعون الذين شربوا، ما كانوا يعملون عن هذا الأمر شيئاً. إن الذين رأوا ونفذوا هم الخدام وليس أحد من المدعوين. فأين الإيحاء إذن؟!
7- كذلك شفاء العاهات الثابتة لا يمكن أن يتم بالإيحاء.
لا يمكن بالإيحاء أن يبصر أعمي، أو تنبت رجل لأعرج. ولا يمكن بالإيحاء أن يشفي أخرس أو ابكم أو أصم.. وقد أجري السيد المسيح كثيراً من أمثال هذه المعجزات. فمن جهة شفاء العميان: شفاء بارتيماوس الأعمي (مر 10: 52) ومعه آخر (مت 20: 34). وشفاء أعمي في بيت صيدا (مر 8: 22 – 26). ومجنون كان أعمي وأخرس (مت 12: 22). وشفاء أعميين (مت 9: 32 – 33)، (لو 19: 42).. والأمثلة كثيرة. ويمكن أن نضم إليها إبراء أذن ملخس عبد رئيس الكهنة، بعد أن قطعها أحدهم بالسيف (لو 22: 50، 51).
8- كذلك شفاء البرص لا يمكن أن يتم بالإيحاء.
فالأبرص كانوا يخرجونه خارج المجمع.و إذا شفي لابد أن يراه الكاهن ويفحصه. وإذا وجد أنه قد برئ، يسمح له بالدخول إلي الجماعة بعد تقديم ذبيحة. وقد شفي المسيح أبرص بمجرد أن لمسه. وللوقت طهر برصه (مر 1: 41)، (مت 8: 2، 3). وشفي عشرة من البرص دفعة واحد (لو 17: 11 – 19). وكانوا يذهبون إلي الكهنة. فهل وقع الكهنة أيضاً تحت الإيحاء؟! ومع البرص نضم كثيراً من الأمراض المستعصية التي شفاها المسيح.
9- الإيحاء أيضاً لا ينطبق علي كثرة المعجزات وكثرة مشاهديها.
يمكن أن إنساناً يتعرض للإيحاء، أو يؤثر فيه الإيحاء. أما إذا كان الشفاء لمئات من الناس، بأنواع مختلفة من الأمراض، مع اختلاف نفسية وعقلية كل من هؤلاء، فحينئذ الأمر يختلف. ومعجزات المسيح كانت هكذا. يقول معلمنا لوقا الإنجيلي " وعند غروب الشمس كان كل الذين عندهم مرضي بأنواع أمراض كثيرة يقدمونهم إليه. فكان يضع يديه علي كل واحد فيشفيهم. وكانت الشياطين تخرج من كثيرين وهي صارخة.." (لو 4: 40، 41). ويقول معلمنا متي الإنجيلي عن السيد إنه كان " يشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب " (مت 4: 23). ويقول معلمنا مر قس الإنجيلي " قدموا إليه جميع السقماء والمجانين.. وكانت المدينة كلها مجتمعة علي الباب. فشفي كثيرين كانوا مرضي بأمراض مختلفة.و أخرج شياطين كثيرة " (مر 1: 32 – 34). فهل كل هؤلاء كانوا تحت الإيحاء؟! وهل مشاهدوهم كذلك؟!
10- كذلك المعجزات التي حدثت في حياة المسيح نفسه.
قيامته من الأموات – ظهوره للأحد عشر ولعدد كبير من التلاميذ – التجلي – ميلاده العذراوي.. كل ذلك هل فيه عنصر الإيحاء؟!