جهالة الصليب الصليب بحسب الواقع النظرى جمود وخسران
وعدم؛ أما بحسب الواقع الروحى فهو تحرك داخلى إلى أعلى، وانتقال من حال إلى حال
أسمى، وتغيير جوهرى من مستوى جسدى الى مستوى إلهى، وبشارة عجيبة ومفرحة من موت إلى
قيامة!!
لذلك نستطيع أن نقول إن الصليب كان
الواسطة الاولى التي استعلن المسيح بها أنه
ابن الله
، لأنه لم يكن ممكناً بدون الصليب أن تتم القيامة من الأموات بكل أمجادها،
ثم أعطانا في صميم طبيعتنا هذا السر العجيب أن نصير مثله (1يو3: 2) – وأيضاً بواسطة
الصليب – لننال قيامة تعطينا استعلان بنويتنا لله!!
صليب ثم قيامة، هذا هو القانون الذي
وضعه ابن الله في نفسه
وفى جسده بموته على
الصليب وقيامته، لذلك أصبح من غير الممكن أبداً أن يدخل الإنسان في خبرة الصليب مع المسيح
بإيمان كامل إلا ويحوز على قيامة داخلية وتغيير حياة.
الحكم بالصلب، هو أكثر أنواع الموت لعنة
وعاراً. هذا هو مظهره، ولكن
المسيح استطاع أن يحول هذا الحكم المهين والمزرى إلى أعلى وأسمى حقيقة يمكن أن تستعلن على
الأرض لمنطق أو لعقل بشرى، وهى القيامة بمجد الهى!..
هذا هو جوهر رسالة المسيح بالنسبة
للإنسان.
فصليب العار جعله المسيح، لما قبله على
نفسه، قوة محولة قادرة أن تحول ذل الإنسان وعاره وضعفه إلى شركة فى أمجاد قيامة
المسيح مع هبة التبنى لله.
هذا هو الصليب الذي لا يزال يُنظرإليه
عند كثير من الناس أنه جهالة ولكنه وإن كان جهالة فإن " جهالة الله أحكم من الناس"
(1كو1: 25).
أى خطة الخلاص العظمى التي فدى بها
الإنسان وأقامه من الموت لحياة أبدية.
والصليب يظل محصوراً في فكر الإنسان
كحقيقة لاهوتية أو مبدأ عقيدى، إلى أن يرتفع إلى المستوى العملى للصليب في حياتنا
وذلك حينما نقبل حكم الموت في أنفسنا اضطهاداً أو ظلماً واعتسافاً بيد الطغاة أو
نُسلّم أنفسنا بإرادة حسنة للموت الاختيارى،
كما
يقول القديسون، أي ندخل في عمق الاماتة لنموت عن أنفسنا وشهواتنا حينئذ تبدأ
حقيقة الصليب تتجلى في حياتنا كخبرة مضيئة وقوة رافعة
فالإنسان الذي يرفض أن يموت بإرادته عن
العالم، ويجزع من أن يصلب أهواءه وشهواته وأعضاءه – من أجل المسيح – هذا الإنسان
يظل غريباً عن حقيقة الصليب. ربما يكون دارساً مدققاً لمعانى الصليب اللاهوتية
متقناً لمفهوم العقيدة نظرياً وفلسفياً، ولكن الصليب كحركة داخلية وقوة ترفع
الإنسان إلى مستوى تقديس الله، هذا يبقى شيئاً مخفياً عن عين الإنسان
وعقله
(انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في منتدى ابناء الملك في أقسام المخصيصه).
لهذا فالصليب لا يمكن
أن تكشف قوته الإلهية إلا عند قبول الموت والإماتة.
وهكذا يظل الصليب جهالة ورعبة وموتاً
جاهلاً لا يستطيع الإنسان أن يقترب منه، إلى اللحظة التي فيها يكشف الروح للإنسان
عن سر مجد الشركة في صليب
ربنا
يسوع المسيح، حينئذ تدفع النعمة الإنسان في طريق الصليب ليذوق – في شجاعة –
معنى الموت المحيى مع
المسيح.
وحينئذ يتجلى الصليب كحكمة الله وقوة الله للخلاص.
إن أصدق علامة لحمل الصليب هى أن يكون
البذل والإماتة والخسارة عن رضى وحب وسرور، بمعنى أن أفقد بالفعل ذاتى وأنكرها،
ذاتى التي تطلب الشكر والمديح ورد الجميل. هنا تبدأ فعلاً صورة الصليب، حيث لا يكون
عائد كرامة أو شكر أو ربح من أي نوع، بل على النقيض نكران وهجران وعداء واعتداء.
يلاحظ هنا أن مواصفات الصليب مأخوذة من
مشهد
الجلجثة ومحاكمة المسيح بعد حياة كلها بذل وحب.