لقد خلق الله
الإنسان ليعيش في شركة وليس منفرداً: شركة مع الله، ثم من نبع هذه الشركة يستطيع أن
يكون في شركة مع البشر. وقد رسم الله ناموس التكاثر وذلك بغرس طاقة المحبة أو غريزة
(مِن فعل غرز أو غرس) المحبة في الإنسان.
هذه الغريزة التي يسمونها "الغريزة الجنسية"، وهذا اسم
قاصر، لأن هذه الغريزة تتضمن ليس فقط الاتجاه أو المحبة نحو الجنس الآخر، ولكنها
تتضمن أولاً الشركة والمشاركة مع الله؛ ثم من هذه الشركة أو المشاركة تنعكس الشركة
والمشاركة مع البشر.
وقد بارك الله هذه الشركة بين الجنسين: "وباركهم الله وقال
لهم: أثمروا واكثروا" (تك 1: 28 ) وأُعطِيَتْ هذه البركة المشفوعة بالوصية قبل سقوط
الإنسان حتى لا يظن أحد أن غريزة المحبة (أو الغريزة الجنسية) وُضعت بعد السقوط.
لذلك فجوهر غريزة المحبة أو التكاثر
أو الجنس هو "المحبة"، ولأن الله هو محبة (1يو 4: 8و16)، فإن الله هو ينبوع ومصدر
هذه الغريزة والطاقة التي يشعلها في الإنسان وتجعله مستعدًّا حتى أن يموت من أجل
الآخرين: "ليس لأحد حُبٌّ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه من أجل أحبائه." (يو 15:
13)
إساءة استعمال هذه
الغريزة:
لكن الإنسان كثيراً ما يُسيء استعمال
غريزة المحبة هذه مما يؤدِّي إلى أذى يلحق بنفسه وبالآخرين. لذلك، فالعفة الجنسية
هي مطلب حيوي، وكلما جعلتَ محبة يسوع أعظم ما في حياتك كلما منحك الرب يسوع طاقة
العفة الجنسية.
هذه بعض النقاط الهامة
للشباب:
+ تذكَّر (وتذكَّري) أن غريزة المحبة
هي عطية الروح القدس لنا. إنها عطية جميلة تُفصح عن محبة الله العميقة والباذلة نحو
خليقته ونحو الإنسان بوجه خاص. صلِّ إلى الروح القدس ليُعطيك أن تشتهي اتِّباع
تدبير الله من منحنا غريزة المحبة.
+ اعلم كم هي وخيمة النتائج المُخرِّبة
الطبيعية والعاطفية والروحية لإساءة استعمال هذه الغريزة خارج سر الزيجة المقدسة
الذي فيه يُكلِّل الله تلاحم الرجل والمرأة معاً بنعمة الروح القدس لتكون زيجتهما
أكثر من زيجة طبيعية، بل زيجة في المسيح وتحت حماية وتقديس الروح
القدس.
+ تبصَّر في الآثار المدمِّرة للأمراض
التي تنتج عن إساءة استخدام هذه الغريزة خارج إطار المحبة المكلَّلة بالروح القدس
التي تُثمر فرحاً ونمواً في شركة النفس مع المسيح لكما أنتما
الاثنين.
+ واعلم (واعلمي) أن الارتباطات
النفسية والعاطفية التي تخلقها غريزة المحبة المكلَّلة بالروح القدس أعلى وأسمى
وأكثر إشباعاً للنفس والجسد من أي ارتباط خارج عن إكليل الروح
القدس.
+ وبالتالي، تبصَّرا في مقدار الألم
الذي ينتج عن انفصام هذه الارتباطات حينما تنقطع العلاقة بين الاثنين. وكم من الحزن
الذي يُسبِّبه هذا الانقطاع لكما وأيضاً للروح القدس، روح القداسة والعفة
والطهارة.
+ واعلموا وتعلَّموا عن تحذيرات الله
للخطية ضد عفة غريزة المحبة المُكلَّلة بالروح القدس، وكيف أنها كفيلة بنسف الشركة
والعلاقة بينكما وبين الله.
+ واعلموا أن الله يريدكم أن تتعفَّفوا
ليس فقط عن اتصالات غير مشروعة، بل وعن كل أشكال الاتصال والارتباطات العاطفية
خارجاً عن شركة وإكليل الروح القدس. فإن استغللت نفسك جنسياً بأية طريقة مع آخر ليس
لك معه علاقة زيجة مقدسة مكلَّلة بالروح القدس، فكأنك تبدِّد شيئاً غالياً جداً
مقابل ثمن رخيص جداً سواء لك أو للطرف الآخر.
+ أيها الأخ وأيتها الأخت، اقبلا محبة
الله التي أظهرها لكما في صليب ابنه يسوع المسيح، واستمدَّا الثقة من ذلك، واحترما
كرامة كل منكما للآخر، ولا تَدَعا كل واحد أن يمتهن كرامة الآخر التي أخذتماها من
الله بخلقة إياكما على صورته.
+ اعلم (واعلمي) أن الله يضع في قلبه
المحب لك كل الخير، وهو سوف يعينك على أن تبقى طاهراً إلى أن يقودك إلى شريكك
الطاهر، ثم يُبارك ويُكلِّل زيجتكما بالروح
القدس.
+ ولا شكَّ أنك سوف تتواجه مع إغراء
الشهوة في شبابك، فإن رددت على ذلك بالاختيار الصحيح، فستضمن من الله قوة إضافية
تُمكِّنك أن تنمو في العفة أكثر فأكثر.
+ اعترف بخطاياك ضد العفة، أولاً بأول،
أمام الله، أولاً في مخدعك وقدِّم توبة وندماً وانسحاقاً. واعلم أن الله يفهم كل ما
يدور في نفسك وجسدك فهو خالقك ويعلم أننا "تراب نحن" (تك 3: 19)، لذلك فهو يقدر أن
يُعين المجرَّبين ويُصالحك مع نفسه من خلال دم صليب ابنه. وفي الكنيسة تقدَّم إلى
أب اعترافك معترفاً بخطيتك وبعزمك على التوبة ليُصلِّي طالباً من الله لك الغفران
والمصالحة. واقبل من الله - في سر الإفخارستيا - جسده ودمه الأقدسين لغفران الخطايا
ولشفائك ولنعمة الحياة الأبدية التي تُشرق في قلبك منذ الآن وتتثبَّت فيك طهارة
المسيح الذي تناولته.
+ لابد أن يكون لك مرشد أو مرشدون من
خدَّام (أو خادمات) خدمة الشباب يكونون عائشين حياة العفة والطهارة، وتقابل معهم
وانتفع بخبراتهم وتشجيعهم ومساندتهم لك في طريق الحياة، وأفصِحْ لهم بكل
علاقاتك.
+ (وهنا يُلقي الروح القدس على خدَّام
وخادمات الشباب مسئولية القدوة أمام الشباب، فيكونون مثال العفة والطهارة في الحياة
الباطنية وفي الكلام والتصرف والسلوك والملابس والتزيُّن بكل تقوى وورع، ليربُّوا
للمجتمع والكنيسة شباباً عفيفين طاهرين يُزيِّنون بيت الله ويُثمرون ويكثرون لله
أولاداً وبناتاً عفيفين طاهرين).
+ وإلى أن يحين الوقت، صلِّ إلى الله
أن يهبك رؤية لِمَا ينبغي أن يكون عليه شريكك أو شريكتك في إكليل الروح القدس. أما
إن كنتما قد نلتما نعمة إكليل الروح القدس، فاسألا الله أنت وشريكك (أو شريكتك) أن
يهبكما رؤية كيف يريد أن يكون زواجكما مُثمراً ومُكثراً لملكوت الله، واعملا معاً
لتُحقِّقا هذه الرؤية.
والرب يُبارككم
جميعاً.
*** ماذا يكون صومنا؟
+ نحن نصوم ونقدِّم أجسادنا كذبيحة،
مظهرها تحمُّل التعب، وجوهرها قبول الموت بالنية، لنُحسب أهلاً أن نتحد سرًّا في
جسد المسيح ودمه، وحيئنذ نصير في ذبيحة المسيح ذبيحة طاهرة قادرة في مفعولها
للشفاعة والفدية.
+ لذلك يلزم أن ينتهي الصوم الذي هو
البذل الناقص بسبب الخطيئة، بالتناول أو بالشركة في الجسد والدم الطاهرين، ليصير
بذلاً كاملاً قادراً على الصلاة والشفاعة. لذلك نجد أن كل تناول من الجسد والدم
يسبقه صوم، وكل صوم يلزم أن ينتهي بالتناول. وفي مثل هذا التناول تحل الشفاعة، إذ
تكمل ذبيحتنا ويكمل بذلنا: "صلُّوا من أجل التناول باستحقاق... اطلبوا عنا وعن كل
المسيحيين." (القداس الإلهي)
+ نحن في صوم الأربعين نمهِّد أنفسنا
لعشاء الخميس، لأننا نُهيئ المثيل للمثيل، لأن الذي لم يبذل نفسه كيف يكون مستحقاً
لشركة الذي بذل حياته؟ وإذا أكلنا جسداً مبذولاً ونحن لم نبذل أنفسنا، كيف ندَّعي
الاتحاد؟
+ أما شركة عشاء الخميس السرِّي - الذي
هو قبول حياة البذل بالنية - فهي تمهيد لقبول الآلام علناً إلى
الموت.
+ وهكذا، كل مرة نأكل من الجسد ونشرب
من الدم نحن نتهيَّأ سرًّا للبشارة بموت الرب والاعتراف بقيامته. وكل شهادة بموت
الرب وقيامته تحمل استعداداً للاستشهاد. وكل استشهاد يحمل
قيامة.