بساطة الايمان المسيحي (سلسلة ) 1- حتمية التجسد الالهي

1- حتمية التجسد الالهي

" في البدء خلق الله السموات
و الارض " ( تكوين 1:1 )

الله القادر على الخلق
, يأمر فيكون , استدعى من العدم وجودا ماديا , كُون بأكمله بنجومه و مجراته , بفضاءُه
و اتساعه , لقد خلق الله وجودا لم يكن موجودا , من اللا شيء أحضر كل شيء , مكان و
زمان , ففي العدم – اللا مكان – خُلِق المكان , فضاء لا نهائي الابعاد
, مكان لم يكن موجود , خلقه الله لتشغله الاجسام

و مع كل اتساع الوجود
يبقى الوجود محدود, له حدود منها يبدأ المكان, و خارجه لا وجود , لا مكان ,
إنه كون متمدد في الا وجود , في اللا شيء,كون محدود بحدود منها يبدأ المكان,
و له لحظة بداية منها بدأ الزمان, بدأ عمر الكون
و الزمن مقياس داخلي يرتبط بالوجود بحركةالمواد , بالتغيرات في المواد و أماكن الاجسام
, و خارج الوجود لا زمان

خليقة عظيمة ...فضاء و مادة , حركة و زمان , طاقة و اتزان ,
و الكل مُقيد و خاضع لقوانين غاية في الاحكام

و الله بطبيعة ذاته
يعلو فوق الوجود , فوق المادة و التغير و الانحلال و التحول , فالله متعالي
بطبيعته الروحية , متعالي بذاته السرمدية – لا بداية له و لا نهاية – ,
متعالي بكونه غير محدود , متعالي عن كل ما هو مخلوق , متعالي بوجوده السابق للوجود –
فوجود الله لا يحتاج لخلق المكان –

و الله الغير محدود لا يحده مكان
فوجوده يملاء و جودنا – و يملاء اللا وجود الذي لا ندركه –,
فوجود الله وجود لا محدود لا يُحد بخليقة و لا يخلو منه مكان و لا زمان

و خَلق الله الانسان ,
خلقه ليكون كائن له فكر و إرادة و قرار , له حرية الإختيار , قادر على الفعل و
قادر ان يمتنع عن الفعل , قادر على الادراك و الاستيعاب ,
يشعر بحضوره – فالانسان ليس من منظومة الحياة التي لا تدرك حضورها –,
إنه كائن مُتفرد له طبيعة روحية في وجود مادي ,
روح عاقلة معطاه من الله تسكن جسد خُلق من تراب

هذا الانسان محدود بحدود جسده , محدود بقدراته , محدود بإمكانياته ,
و المحدود لا يستطيع ان يدرك الغير محدود
, و إمكانيات الرؤية للمحدود أن يرى ما هو محدود , أن يرى ما هو مادي
و لن يرى ما هو روحي , و لا يستطيع ان يفهم وجود الله – الله الذي لا يحتاج لمكان ليكون موجود –
فالله الغير محدود لا يمكن ان يُحد مكانيا او زمانيا ,
فطبيعته الروحية الغير محدودة تجعله غير قابل لأن يُرى من مخلوق محدود

فهل خَلق الله الانسان ليصبح منعزلا عن الله إلهه! ,
هل خَلق الله الانسان ليحيا فقط و يكون الله مجرد فكرة في عقله ! ,
كيف سيدرك محبته و حنانه ! , كيف سيتمتع بعشرته ! ,
فالله الخالق مالئ الكون لن تراه مخلوقاته ابدا

إنها مُعضلة ليس لها حل الا بالتجسد الالهي ,
ان يتخذ الغير محدود جسد محدود ليظهر به للخليقة المحدودة ,
جسد محدود يتحد مع اللاهوت الغير محدود دون ان يحد هذا المحدود
اللاهوت الغير محدود

بهذا التجسد ,
بهذا الظهور , بهذا الاعلان تمكن الانسان ان
يرى إلهه و يتعامل معه و يشعر بحبه

فآدم رأى الله المتجسد
- " وسمعا صوت الرب الإله ماشيا في الجنة " (تكوين 3:8 ) -
و علم إنه الله الخالق , قد يكون هذا التجسد من طبيعة نورانية لكنه في صورة الانسان ,
او بالمعنى الاصح ان الانسان خُلق على الصورة التي اتخذها الله لتجسده –
مع اختلاف طبيعة الجسد الذي كان يتجسد به الله عن جسد الانسان

فالله متى شاء ان يتعامل مع الانسان او الملائكة كان يتجسد في صورة محدودة ,
صورة ادركتها مخلوقاته و عرفوها ,
فآدم و قايين و اخنوخ و ابراهيم و يعقوب و موسى و كثيرين ... كلهم رأوا الله المتجسد

....... يتبع ( الموضوع التالي )
التأنس الالهي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يساطة الايمان
المسيحي ( سلسلة )2- حتمية التأنس
الالهي

بساطة الايمان
المسيحي ( سلسلة ) 3 - دوافع التأنس الالهي