+ لقد فتح الرب يسوع يداه فأشبع كل حي رضا من غناه.
ربي يسوع.. لن آكل بعد اليوم إلا من يديك الطاهرتين.
في القديم أكل آدم وحواء من يد الشيطان،
فصار لهما الخزي والعار والموت واللعنة، والطرد من وجه الله.
أما من يأكل من يديك الطاهرتين فهناك تكون البركة والفرح والشبع والتسبيح.
+ إن معجزة إشباع الجموع هي معجزة شفقة وحب..
"فلما خرج يسوع رأى جمعاً كثيراً، فتحنن عليهم إذ كانوا كخراف لا راعي لها" (مر6: 34).
لم يكن يقصد الرب يسوع أن يستعرض قوته ليؤمن به الناس، بل كان يقصد أن
يخدمهم ويُسدد احتياجاتهم حتى ولو صلبوه في النهاية.. بل سيكون هذا الصليب
أيضاً في حد ذاته هو خدمة للناس وسد لاحتياجهم الشديد للخلاص العظيم.
+ معجزة إشباع الجموع جاء ذكرها في الأربعة أناجيل (على خلاف العادة في سرد
قصص المعجزات).
فقد وردت في (مت14: 14-21)،
(مر6: 30-44)،
(لو9: 11-17)،
(يو6: 1-14).
كما أن السيد المسيح قد كررها مرتين (مر6: 30-44)، (مر8:
1-9).
لعل السيد المسيح أراد أن يلفت أنظارنا إلى شيء أعمق من الأكل المجرد!!
لم يكن السيد المسيح يشبع الجموع في كل يوم لئلا يتعلموا التواكل والكسل،
ويلتفوا حوله لأسباب جسدية منفعية فقط.. وكذلك لم يعمل السيد المسيح
المعجزة مرة واحدة بل مرتين، وذُكرت في الأربعة أناجيل لينبهنا إلى أنها
تمهيد لما سيعمله يوم خميس العهد حيث سنأكل من يديه جسده ودمه الحقيقيين
لخلاص أنفسنا.
+ قبل أن يعطيهم الخبز والسمك أعطاهم تعليماً وشفاءً..
"فقبلهم وكلمهم عن
ملكوت الله، والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم" (لو9: 11).
إنه يعمل معنا نفس
الشيء في القداس فأولاً يعلمنا في قداس الموعوظين، ثم يشفينا أثناء قداس
المؤمنين بالتوبة والتقديس، ثم يطعمنا بيده الطاهرة جسده ودمه الأقدسين
وليس خبزاً مجرداً أو سمكاً كما فعل في المعجزة.
+ لقد كانت البشرية جائعة ومريضة وساقطة، وجاء الرب يسوع ليشفينا من فساد الطبيعة، ويجدد خلقتنا، ويشبعنا بالاتحاد به.
كان "الموضع خلاء والوقت مضى" (مر6: 35)،
ولكن لم تكن هناك مشاكل عند الرب
يسوع.. يستطيع في الخلاء أن يخلق من العدم، أما من جهة الوقت الذي مضى - في
نظر الناس - لكنه كان ملء الزمان في نظر الله.. جاء إلينا بعد أن صار
الموضع خلاء والوقت قد مضى.. جاء ليجدد فينا الأمل والرجاء، ويعطينا الخلاص
والنجاة بعد أن تسرب إلينا الفشل واليأس.
وأنا أيضاً يا سيدي أتوقع مجيئك إليَّ لتحل لي مشاكلي حتى ولو (الوقت مضى والموضع خلاء).
+ لقد تقدم التلاميذ إلى الرب يسوع يتشفعون في احتياجات الناس "اصرف الجمع
ليذهبوا إلى القرى والضياع حوالينا فيبيتوا ويجدوا طعاماً، لأننا ههنا في
موضع خلاء" (لو9: 12). هذا احساس جميل أن نصلي من أجل احتياجات الآخرين..
بكل تأكيد لقد أكل التلاميذ أيضاً مع الجموع، وكذلك يستفيد كل من يصلي من
أجل الآخرين.. إنها شفاعة قوية ومقبولة عند الله مخلصنا الذي أمرنا أن نصلي
بعضنا لأجل بعض.
+ "أعطوهم أنتم ليأكلوا"، عندما نطلب من الله أن يحل مشاكل الناس، يطلب هو
منا أن نشارك في هذه الحلول بطريقة عملية.. لا يكفي أن نتمنى للناس الخير،
ونصلي فقط لأجلهم بل يجب أن يكون لنا دور.. "إن كان أخ وأخت عريانين
ومعتازين للقوت اليومي، فقال لهما أحدكم: امضيا بسلام، استدفئا واشبعا،
ولكن لم تعطوهما حاجات الجسد، فما المنعفة؟" (يع2: 15-16).. فيجب أن يكون
لنا دور حتى ولو كان كل ما نملكه "خمسة أرغفة وسمكتان".
إن إمكانياتنا الضئيلة تصير في يدي المسيح بركة عظيمة.
ربي يسوع ها أنا أضع نفسي بين يديك بكل ضعفاتي وسقطاتي..
وأثق أنك ليس فقط ستستر ضعفي وتقيمني من سقطاتي..
بل أثق أنك قادر أن تشبع بي شعباً كثيراً،
وتخرج الماء من صخرة صماء.
+ المسيح إلهنا يحب النظام والهدوء والنظافة. لقد أمرهم أن "يجعلوا الجميع
يتكئون رفاقاً رفاقاً على العشب الأخضر. فاتكأوا صفوفاً صفوفاً مئة مئة
وخمسين خمسين" (مر6: 39-40).
وفي نهاية المعجزة أمرهم "اجمعوا الكسر الفاضلة لكي لا يضيع شيء" (يو6:
12).
يجب أن تكون اجتماعاتنا متسمة بالنظام والهدوء والسلوك الحضاري.
+ شرح بعض الآباء المعجزتين أنهما: الأولى ترمز إلى دعوة اليهود للشبع
بالمسيح، والثانية هي دعوة الأمم للشبع أيضاً بالمسيح. وقد أعطونا هذه
المقارنة الجميلة
:
كان عدد الخبز في المرة الأولى خمسة ترمز إلى العهد القديم بأسفار موسى
الخمسة، والخمسة ذبائح..
بينما كان عدد الخبز في المعجزة الثانية سبعة ترمز
إلى عمل الروح القدس في الأسرار الكنسية في كنيسة العهد الجديد.
كان عدد السمك في الأولى سمكتان ترمزان إلى الناموس والأنبياء، بينما في
الثانية كان "قليل من صغار السمك" ترمز إلى الآباء الرسل قليلي العدد،
وصغار المركز قبل تكليفهم برسالتهم
.
كان الآكلون في المعجزة الأولى خمسة آلاف ترمز إلى العهد القديم (رقم
خمسة) مضروبة في (ألف) المُعبرّة عن الحياة الأبدية (يوم عند الرب كألف
سنة)،
أي أن اليهود سيشبعون بالمسيح لو دخلوا في خبرة الحياة الأبدية
الممنوحة بالإيمان به.. أما في المعجزة الثانية فكان عدد الآكلين أربعة
آلاف ترمز إلى الأمم (أربعة أقطار الأرض) مضروبة أيضاً في (الألف)، فالأمم
أيضاً سيشبعون بالمسيح متى دخلوا في هذا الإيمان به.
فاض في المعجزة الأولى (12 قفة) ترمز إلى الاثنا عشر سبطاً الذين شبعوا
بالمسيح، أما في الثانية ففاض سبعة سلال ترمز إلى السبعة كنائس المذكورة في
سفر الرؤيا علامة كل الكنيسة الجامعة التي تشبع بالمسيح.
لم يذكر عدد النساء والأطفال في المعجزتين.. لأن النساء يرمزن إلى
الميوعة الروحية، والأطفال إلى عدم النضج.. ومع أن عددهم لم يذكر ولكنهم
اشتركوا في الأكل.
وكأن السيد المسيح أراد أن يعلمنا أنه لا نصيب للمتراخين وعدم الناضجين في
ملكوت السموات.. ولكن يقدم يديه حتى إلى هؤلاء ليشبعهم فيشفيهم من الرخاوة
ومن عدم النضج فيكون لهم بعدئذ نصيب وميراث في ملكوت السموات