أدلة الكتاب المقدس علي صحة تعليم المسيح
تنقسم هذه الأدلة إلي ثلاثة أنواع:
1 – النص علي كل من ناسوت المسيح ولاهوته وشخصيته علي حدتها.
2 – النص عليه باعتبار كونه إنساناً وباعتبار كونه إلهاً وأحياناً باعتبار كونه إنساناً وإلهاً معاً.
3 – النص الصريح علي تعليم التجسد.
ما هي الأدلة الموردة من النوع الأول منها؟
هي ما تتضمن عبارات تتعلق بكل من ناسوته ولاهوته وشخصيته الواحدة. ومن ذلك:
1 – ما قيل في الكتاب بشأن ناسوت المسيح أنه ذو طبيعة بشرية كاملة شاملة جسداً حقيقياً ونفساً. ومن جملة نصوص الكتاب في هذا الموضوع:
أ – ما ينسب إليه جسداً حقيقياً والمراد بذلك جسد مادي مركب من لحم ودم كأجساد البشر في كل ما هو جوهري لأنه ولد من امرأة واغتذى من جسمها وكان ينمو في القامة وكان له جميع أميال الجسد البشري فكان خاضعاً للألم واللذة والجوع والعطش والتعب والمرض والموت وكان ينظر ويلمس (قابل عب 2: 14 ولو 24: 39). وقيل في العهد القديم أنه نسل المرأة ونسل إبراهيم وابن داود وأنه إنسان ورجل أوجاع وسمي في الإنجيل ابن الإنسان نحو ثمانين مرة.
ب – ما ينسب إليه نفساً ناطقة وعقلاً بشرياً محدوداً به كان يفتكر ويشعر ويفرح ويحزن وينمو في الحكمة ويجهل بعض الأشياء كزمن يوم الدينونة.
2 – ما قيل في الكتاب في شأن لاهوت المسيح. فسمي إلهاً ولقب بجميع الأسماء والألقاب الإلهية فقيل أنه الله (عب 1:
والإله القدير (أش 9: 6) والله العظيم (تي 2: 13) والإله علي الكل (رو 9: 5) ويهوه والرب ورب الأرباب وملك الملوك. ووصف بجميع الصفات الإلهية منها أنه حاضر في كل مكان وعالم بكل شئ وقادر علي كل شئ وغير متغير وأنه هو هو أمساً واليوم وإلي الأبد وأنه خالق الكون والمعتني به والمتسلط عليه (كو 1: 16 و17) وأنه هو المعبود من جميع الخلائق العاقلة حتي الأسمى منها وأن جميع الملائكة أمرت أن تسجد له (عب 1: 6) وأنه في يمين عرش الله وملائكة وسلاطين وقوات مخضعة له (1 بط 3: 22) وأنه هو موضوع جميع الاحساسات الدينية كالاحترام والمحبة والإيمان الخ وأن جميع البشر والملائكة يجب أن يعطوا الجواب له عن صفاتهم وسيرتهم وهو نفسه أمر الناس أن يكرموه كما يكرمون الآب (يو 5: 13) وأن يعترفوا به كما يؤمنون بالآب (يو 14: 1) وقال أيضاً أنه هو والآب واحد (يو 10: 30 و17: 11 و21 و22) وأن الذي رآه قد رأي الآب (يو 14: 9) ودعا جميع البشر إليه واعداً إياهم بغفران خطاياهم وإرسال الروح القدس إليهم وبأن يمنحهم راحة وسلاماً ويقيمهم في اليوم الأخير ويمنحهم حياة أبدية. والخلاصة أنه وصف في الكتاب الإلهي بنفس الأوصاف التي وصف بها الله له المجد ووعد وفعل بقدر ما وعد الله وفعل. ولذلك هو إله المسيحيين كما أن الآب أيضاً إلههم منذ تأسيس الدين المسيحي.
3 – ما قيل في الكتاب في شأن شخصية المسيح الواحدة أي أنه إله تام وإنسان تام في ذات واحدة ومما يؤيد ذلك:
1 – عدم وجود دليل علي تعداد الشخص فيه فإنه يعلمنا أن الآب والابن والروح القدس ممتازون في الأقنومية من استعمال الضمائر لهم عند الكلام علي كل منهم وأن الآب يحب الابن ويرسله والابن يحب الآب ويطيعه غير أنه لا يصح أن نميز طبيعتي المسيح علي هذا المنوال بل هو شخص واحد مؤلف من طبيعتين متحدتين فيه فإن ابن الله لا يخاطب ابن الإنسان كشخص ممتاز عن نفسه والكتاب المقدس لا يعلن لنا إلا مسيحاً واحداً.
2 – البينات الصريحة ومنها أن المسيح يستعمل لنفسه ضمير المتكلم ويستعمل له عند الخطاب ضمير المخاطب وفي الغيبة ضمير الغيبة فقيل مرة أنه ليس له خمسون سنة بعد (يو 8: 57) وقيل في محل آخر أنت يارب في البدء أسست الأرض الخ (عب 1: 10) والإشارة إلي شخص واحد في كلتا الجملتين ولذلك نري أن المسيح يعتبر دائماً شخصاً واحداً إلهاً تاماً وإنساناً تاماً.
ما هي الأدلة الموردة من النوع الثاني؟
هي ما يتعلق بنصوص الكتاب علي المسيح تارة باعتبار كونه إنساناً وتارة باعتبار كونه إلهاً وأحياناً باعتبار كونه إلهاً وإنساناً معاً. ففي العهد القديم وصف بأنه من نسل إبراهيم ومن سبط يهوذا ومن بيت داود وبأنه ولد من عذراء في مدينة بيت لحم وبأنه رجل أوجاع وبأنه يحتمل تأديب خطايانا ويسكب للموت نفسه. وقد وصف أيضاً فيه بأنه إله لأنه سمي ابن الله وعمانوئيل والله القدير والرب برنا وقيل أنه منذ الأزل والملائكة تعبده.
وقيل في العهد الجديد أنه إنسان وذكر فيه جدول نسبته بينة علي أنه من بيت داود ومن نسله وذكر أيضاً ولادته وحياته وموته. وكذلك قيل أنه إله وابن الله والكائن منذ الأزل وله كل سلطان وأنه مستحق الوقار والمحبة والطاعة الواجبة لله وأن الرسل سجدوا له وسألوه المغفرة فجميع هذه الأوصاف المتنوعة المنسوبة دائماً إلي شخص واحد لا يمكن توفيقها إلا باعتبار تعليم الكتاب المقدس في التجسد الإلهي الذي هو مفتاح لتفسير كل أقوال الكتاب المقدس في المسيح وبدونه تكون جميع أقوال الكتاب في المسيح مبهمة ومشوشة ومتضادة.
ما هي الأدلة الموردة من النوع الثالث؟
هي ما يتضمن النصوص الصريحة علي تعليم التجسد ومن تلك النصوص ما يأتي:
1 – (يو 1: 1 – 14) ففيه أن الكلمة (والمشار بها إلي لاهوت المسيح) أزلي وأن بينه وبين الآب نسبة قريبة جداً وأنه إله وخالق كل الأشياء وأن الحياة فيه وبالنتيجة أنه مصدر الحياة لجميع الأحياء وأنه النور الحقيقي أي ينبوع كل معرفة وقداسة وأنه أتي إلي العالم وجاء إلي خاصته وأنه صار جسداً أي اتخذ طبيعتنا البشرية وسكن بيننا كإنسان. وخلاصة ما نتعلمه من هذه الآيات الثمينة هو أن شخصاً إلهياً بالحقيقة وهو الكلمة الأزلي خالق العالم صار إنساناً وما ذلك إلا تعليم التجسد تماماً بصريح العبارة.
2 – (1 يو 1: 1 – 3) وهو نص علي أن الذي كان من البدء عند الله ظهر علي الأرض وكان يري ويسمع ويلمس.
3 - (رو 1: 2 – 5) وهو نص الرسول علي طبيعتي المخلص ووحدانية شخصه إذ قال أن المسيح من جهة طبيعته الجسدية ابن داود ومن جهة طبيعته الإلهية ابن الله وقد نص في مكان آخر علي أنه الله العظيم (تي 2: 13) وابن إبراهيم وعبراني بحسب ولادته الجسدية.
4 - (1تي 3: 16) وهو نص الرسول علي أن المسيح ظهر في الجسد الخ.
5 - (في 2: 6 – 11) وهو أن المسيح كان الله أو في صورة الله وأنه مساو للآب وأنه صار إنساناً واتخذ صورة عبد وأنه خضع للموت علي الصليب وأنه رفع فوق كل المخلوقات وقلد السلطان العام المطلق.
6 - (عب 2: 14) وفي بداءة هذه الرسالة قيل أن المسيح بهاء مجد الآب ورسم جوهره وخالق العالمين وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته وأنه أسمي من الملائكة وأن جميعهم ملزمون أن يسجدوا له وفي الأصحاح الثاني قيل أنه إنسان وأن البشر إخوته.
* وخلاصة :
ما تقدم أن المسيح المتجسد هو إله وإنسان في شخصية واحدة وما أوردناه من الكتاب المقدس كاف لإرشاد المؤمن وتبين حقيقة تعليم الكتاب له في شخص المسيح. وسبب التعاليم الفاسدة في هذا الشأن إنكار صدق ما قيل في الكتاب المقدس في شأن لاهوت المسيح أو في شأن ناسوته أو في وحدانية شخصه ولذلك التزمت الكنيسة أن تبحث بحثاً مدققاً في هذا الشأن وتبين بالتفصيل معني أقوال الكتاب في حقيقة اتحاد الطبيعتين في المسيح ونتائج ذلك الاتحاد.